مساحةإعلانية 2
شبكة الديوانية >> محمد فوزان الفوزان >> محمد فوزان الفوزان

رسالة إلى إخواننا الأتراك والسوريين

Posted 2023-03-03 at 2:42 PM by
مدير الموقع (admin)

عظم الله أجركم، وأحسن عزاءكم، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: إنا لله وإنا إليه راجعون. أسأل الله تعالى أن يتغمد برحمته المتوفين “الشهداء” يشفى الجرحى والمصابين، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.
اعلموا من أعظم الأمثلة التي ضربت في الصبر على الشدائد، والرضا بقضاء الله قصة عروة بن الزبير، وهو ابن الصحابي الجليل الزبير بن العوام، وأمه ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر، وخالته عائشة، رضي الله عنها، زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقعت هذه القصة في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، الذي طلب من عروة زيارته في دمشق مقر الخلافة الأموية حينها، فخرج من المدينة الى دمشق بعد أن ودع أهله واستعان بالله، وأخذ معه أحد أولاده السبعة، والذي كان يحبه حبًا شديدًا، لكنه أصيب في الطريق بآكلة في رجله أخذت تشتد عليه حتى أقعدته، وهو مرض يطلق عليه الغرغرينا حاليًا.
لما وصل عروة إلى قصر الخليفة لم يستطع الدخول، فحملوه إليه، فحزن الخليفة كثيرًا على ضيفه الذي خرج من أهله سليمًا معافى، وأصيب في بلاد الخليفة، فجمع أمهر الأطباء لينظروا في أمره، وقرروا أن “الغرغرينا” ليس لها علاج سوى بتر الرجل من الساق، فلم يعجب الخليفة هذا الاقتراح، لكن الأطباء أكدوا أنه الحل الوحيد، وإن لم يفعل فسينتشر المرض حتى يصل إلى كل جسده، ويفنيه.
أخبر الخليفة عروة بقول الأطباء فلم يقل سوى”الحمد لله”، وحينما هم الأطباء بقطع رجله، طلبوا منه أن يشرب الخمر حتى لا يشعر بآلام القطع، لكنه استنكر ذلك، فقالوا له: “كيف نفعل هذا بك، وأنت مدرك للأمر”؟
فقال لهم دعوني حتى أصلي وبعدها ابدأوا، وكان، رحمه الله، إذا دخل في الصلاة تاه عن الدنيا وما فيها، فأخذ يصلي ولما هو بالسجود، قطعوا رجله، فأخذ الدم ينزف بغزارة شديدة، فصبوا عليه الزيت المغلي حتى يتوقف، وهنا لم يتحمل عروة الألم فسقط مغشيًا عليه.
في هذه الأثناء كان ابن عروة بالخارج يشاهد خيول الخليفة، فرفسه أحدها، وقضى عليه، وذهبت روحه إلى بارئها، فاغتم الخليفة لمصائب عروة التي اجتمعت عليه، ولم يدرِ كيف يخبره بأمر ابنه، فانتظر حتى أفاق، واقترب منه قائلًا: “أحسن الله عزاءك في رجلك”، فقال عروة: “الحمد لله وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
فزاد الخليفة على قوله، وأحسن الله عزاءك في ابنك محمد، فرد عروة: “اللهم لك الحمد، وإنا لله وإنا إليه راجعون، أعطاني سبعة، وأخذ واحدًا، وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحدًا، إن ابتلى فطالما عافى، وإن أخذ فطالما أعطى، وإني أسأل الله أن يجمعني بهما في الجنة”.
ولما فرغ من قوله، أحضروا له وعاء به الرجل المبتورة، فقال: “إن الله يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط، وأنا أعلم”، بعدها بدأ عروة يعود نفسه على السير متكئا على عصاه، وفي مرة من المرات، وبينما هو مصاب دخل مجلس الخليفة، فوجد رجلًا طاعنا في السن مهشم الوجه، أعمى البصر فقال الخليفة:”يا عروة، سل هذا الشيخ عن قصته”.
فسأله عروة، أجاب الشيخ: “يا عروة أعلم أني بت ذات ليلة في وادٍ، وليس في ذلك الوادي أغنى مني، ولا أكثر مني مالاً وحلالاً وعيالاً، فأتانا السيل بالليل فأخذ عيالي ومالي وحلالي، وطلعت الشمس وأنا لا أملك إلا طفلا صغيرا وبعيرا واحدا، فهرب البعير فأردت اللحاق به، فلم أبتعد كثيراً حتى سمعت خلفي صراخ الطفل.
فالتفتُ فإذا برأس الطفل في فم الذئب، فانطلقت لإنقاذه فلم أقدر على ذلك فقد مزقه الذئب بأنيابه، فعدت لألحق بالبعير فضربني بخفه على وجهي، فهشم وجهي، وأعمى بصري”.
فقال عروة متعجبًا من صبره:” وما تقول يا شيخ بعد ذلك”؟ فقال له الشيخ: “أقول اللهم لك الحمد تركت لي قلباً عامراً ولساناً ذاكراً”، وهكذا أرسل الله لعروة رسالة تثبته على موقفه، وتعلمه مدى الرضا بقضاء الله وقدره، فهكذا يجب أن يكون المسلم صابرًا محتسبًا، عالمًا أن الله لا يضيع أجر الصابرين، ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، ويفرج كروبهم، فسبحان العلي القدير”.
وأقدم التعازي للحكومة التركية وللشعبين التركي والسوري لمصابهما الجلل…وأسأل الله أن يفرج كروبهم، واعلموا أن الله لايضيع أجر الصابرين.








العضوالمشاركة