مساحةإعلانية 2
شبكة الديوانية >> سعاد غانم الدبوس >> سعاد غانم الدبوس

انقراض ذاتي

Posted 2023-08-20 at 7:11 PM by
مدير الموقع (admin)

قبل سنوات عدة قرأت كتاباً بعنوان «موت الغرب» قرأته عند صدوره، واليوم بعد مرور أكثر من عشر سنوات أعيد قراءته لأفاجأ بأن توقعاته صحيحة، مخاوف الكتاب والإحصاءات التي رصدها وتتبعها والخطوات والأساليب التي كان يحذر من مآلاتها تحققت وصدقت، والتعرف على هذه الأساليب والثقافات التي حذر منها الكاتب من انقراض وموت للشعوب الغربية في أوروبا وأميركا الشمالية وروسيا واليابان مهم جداً بل ضروري لكل محب حريص على مجتمعه.

«السعيد من وُعظ بغيره» كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم، والاعتبار والاتعاظ من الأمم منهج قرآني وجهنا إليه القرآن الكريم قال تعالى: «أَفَلَم يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرضِ فَيَنظُرُواْ كَيفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبلِهِم» سورة غافر، السير في الأرض ومطالعة التاريخ وأحوال الأمم وتجاربهم هما مسير محمود ومنهج الحكماء والعقلاء. يتحدث الكتاب عن مخاوفه من انقراض شعوب الغرب: أوروبا واليابان وروسيا والأميركتين.. وهذه المخاوف ليست بناء على توقعات افتراضية أو تنبؤات تحتمل الصواب والخطأ، بل هو تصوير واقعي لما يحدث الآن، وفق متوالية منطقية حسابية، وبيَّن الكاتب أن خطورة الأمر تكمن بأن هذه الشعوب تنقرض انقراضاً ذاتياً وليس لعوامل خارجية. واستثنى الكاتب من هذه الشعوب الأوروبية التي لن تنقرض هي ألبانيا المسلمة، فتأمل! وما دوري هنا في هذا المقال سوى وضع إضاءات على هذه الأسباب التي حذر منها الكاتب التي تؤول إلى انقراض الشعوب، للعظة والعبرة.. يقول الكاتب إن الغرب لا ينجبون بما يكفي من الأطفال لإعادة إنتاج أنفسهم، وسيكون السكان الأصليون أقلية في بلادهم طواعية من غير حرب أو مجاعة أو مرض، وذلك بسبب عدم الرغبة في الحياة والنمو، واستبدالها بقيمة رفاهية الترف والتي أصبحت هي السائدة في تلك المجتمعات، وأن قيمة التضحية من أجل الأسرة صارت فكرة تاريخية، وانتشار فكرة العزوف عن الزواج والإنجاب واستبدالها بالمساكنة لعدم الرغبة في الالتزام، والتحرر من الارتباطات، وأصبحت فكرة أعيش لنفسي وأستمتع بالحياة، وعش حياتك فقط، هي الشعار والفكرة السائدة والرائجة بين الشباب. تقول إحداهن: «السبب الذي من أجله لا أنجب أطفالاً أنني أحب أن أنام وأحب أن أقرأ كثيراً وأستطيع أنام طوال الليل، ويؤكد ذلك صديقها الذي يساكنها ويقول: نحن الاثنين بدخل مزدوج من دون أطفال».. «إن أوروبا توشك أن تصير قارة من شعب مسن في بيوت قديمة وأفكار قديمة»، وتتجه أوروبا إلى خفض رواتب المتقاعدين والفوائد الصحية للمسنين وإلى رفع ضرائبها حتى تحافظ على عدد العمال أو تضطر إلى جلب مليون مهاجر من أفريقيا والشرق الأوسط وعندها تصبح أوروبا قارة من العالم الثالث، تُرى هل هذا فعلا ما نراه يحصل الآن من توقعات الكاتب قبل عشر سنوات؟!

إن أهم ما أريد أن أسلط عليه الضوء هنا ما ذكره الكاتب بخصوص ما نتج عنه هذا التغير الثوري في القيم والمعتقدات عند الشباب، وأدى إلى عدم الرغبة في الحياة والحيوية والإرادة في الحياة والنمو، وأدت اليوم أيضاً إلى انحرافات أخرى عن الفطرة من الشذوذ، والنسوية والذكورية، يقول الكاتب إن هناك توازناً بين موت النصرانية في الغرب وموت العقيدة في اليابان فعندما تفقد الأمم إحساسها بالمهمة، والرسالة، وبتكليفها من السماء، وبإيمانها الذي جاء بها إلى هذا العالم... تندثر فيه الحضارات، إن الغاية والمعنى والهدف من الوجود هي المحرك الرئيس للإنسان، والتطلع للهدف السامي الذي من أجله يسعى الإنسان ويحفد هو الدافع للإرادة والعمل وبذل الأسباب، ومن دون هذه العقيدة الباعثة للحيوية يتحول الإنسان إلى كائن يريد أن يتمتع وينغمس في الملذات والماديات إلى أن يتردّى.. والحق أنه كما قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ».

سعاد أحمد غانم الدبوس








العضوالمشاركة